
عد اليمن واحدة من أكثر الدول العربية التي تواجه أزمة مياه خانقة، فموارد المياه العذبة تتضاءل بسبب الضخ المفرط من المياه الجوفية. ويتزايد الطلب على المياه بفعل الاستهلاك المرتفع للفرد، والاستخدام المفرط وسوء إدارة الموارد المائية والنمو السكاني السريع (تضاعف عدد السكان منذ العام 1990 (من 11 إلى 23 مليون)، ويتوقع أن يتضاعف ثانية إلى 48 مليون بحلول العام 2037.قبل حالة الاضطراب التي اجتاحت اليمن منذ بداية 2011، قدّرت المسوحات أن 4.5 مليون طفل يعيشون في منازل لا يتوفر فيها مصدر مياه محسن وأن أكثر من 5.5 مليون طفل لا تتوفر عندهم خدمات صرف صحي ملائمة فيما يعاني حوالي نصف الأطفال تحت سن الخامسة من سوء التغذية المزمنة.
أزمة المياه
تحتفظ اليمن بأعلى معدلات الفقر في العالم. ولكن من بين التحديات التي تواجهها البلاد، قد لا يكون هناك أكثر صعوبة من مشكلة استدامة المياه.
تعد اليمن من بين دول العالم الأكثر هشاشة من ناحية أمن المياه. فمن المتوقع أن تنضب طبقات المياه الجوفية في أقل من عقد من الزمن نتيجة الاستخدام المفرط. ولتعزيز التنمية الزراعية، قامت الحكومة بتنفيذ سياسيات ساعدت على «تشجيع استخدام المياه، بما في ذلك القروض منخفضة الفوائد، والمازوت الرخيص والاستثمار العام في الري السطحي أو الغمر»، مما تسبب بالإسراف في استخدام المياه. يتم حفر الآبار بشكل غير قانوني إلى المياه الجوفية الطبيعية، ولا تتم صيانة تسريب الأنابيب بالشكل الصحيح. في تقرير إحصاءات المياه الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 2010، يقدّر مجموع مصادر المياه المتجددة في اليمن بـ 3,4 مليار م3 في السنة، حيث يتم تغطية 900 مليون م3 منها من طبقات المياه الجوفية. وكل عام تتناقص مستويات المياه الجوفية من 1-7 م، مع ندرة إعادة شحنها نتيجة مواسم الجفاف. وبهذا تتجاوز معدلات استهلاك المياه إعادة الشحن الطبيعي بشكل كبير.
العوامل
يتراوح معدل هطول الأمطار السنوية من 500 إلى 800 مم في الأراضي المرتفعة. وبالكاد يمكن للمياه الجوفية التي تخدم معظم الأراضي الداخلية الامتلاء مجدداً نتيجة انخفاض حجم هطول الأمطار. وقدمت تنقية المياه وتقنية تقنين المياه الرائدة بعض الحلول، إلا أن العديد من المناطق في اليمن تفتقر إلى الكهرباء والبنية التحتية لتنفيذ تقنيات المياه المتقدمة بنجاح.
التغير المناخي عامل آخر يؤثر على توافر المياه في اليمن. وفق تقرير عام 2008 للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC)، سيصبحمناخ اليمن والمنطقة أكثر حرارة وجفافاً، مما يزيد من فرصة الإصابة بالجفاف. قد يهدد انخفاض معدل هطول الأمطار وكميتها الزراعة في البلاد. يقوم البنك الدولي برفع مستوى الوعي بين المزارعين اليمنيين حول كيفية الحفاظ على التنوع البيولوجي واستهلاكه لجعل الزراعة أقل عرضة لخطر التغير المناخي.
يمكن للمناطق الساحلية، مثل الحديدة. والمكلا. وعدن، الاستفادة من الوصول المباشر إلى مياه البحر إذا توفر للبلاد الوسائل المالية والبنية التحتية المناسبة. ويمكن لليمن تحلية مياه البحر؛ لكن التكلفة باهظة على بلد فقير نسبياً مثل اليمن. وينبغي إعادة الملح المفصول إلى البحر، مما يؤدي إلى تأثيرات بيئية إضافية على الحياة البحرية في سواحل اليمن. حتى في حال إقامة منشآت التحلية، فإن نقل المياه المحلاة إلى المناطق الجبلية والداخلية حيث نضوب المياه مكلف جداً وغير فعال.
هناك سبب آخر لنقص المياه الحاد في اليمن، وهو زراعة القات الذي يستهلك نحو 60% من المياه المستخدمة في الزراعة و 90% من المياه الجوفية في البلاد. إذا كان بالإمكان منع أو تقليص زراعة القات، لكان تم توفير كمية كبيرة من المياه. لكن القات محصول نقدي مربح للغاية فياقتصاد لا يقدّم أية خيارات حيوية أخرى لدخل مماثل. لسوء الحظ، شجعت الحكومة اليمنية على زراعة القات بعد فشلها في تقديم خيارات يمكن أن تتيح للمزارعين إعالة أنفسهم.
إضافة إلى الفقر والأمية والإنتاج المنخفض للنفط، يمكن لهشاشة وضع المياه أن يزعزع استقرار البلاد. كما أثّر الصراع المستمر بين الحكومة والمتمردين على أزمة المياه، مما يؤدي إلى أزمة إنسانية في بعض مناطق اليمن. تم قطع بعض المدن من باقي البلاد لأسابيع، بينما تستمر الاشتباكات، مع نصب الكثير من الحواجز ونقاط التفتيش. تقدر مفوضية شؤون اللاجئين UNHCR أن 150,000 شخصاً تأثروا بالصراع اليمني منذ عام 2004، بما فيهم الذين أجبروا على ترك بيوتهم بسبب الجولة الأخيرة من الأعمال القتالية.
مقاربات جديدة
طرأ مؤخراً عدد من التغييرات التي تقترح إرادة سياسية أكبر للتغيير. وفق منظمة الأغذية والزراعة FAO، تعمل العديد من المشاريع تحت إشراف وزارة الزراعة والري لتقديم خدمات مختلفة، خاصة إدخال تقنيات صيانة المياه وبناء منشآت حصاد المياه وجمع مياه الفيضانات. وتشمل مجالات العمل الأخرى حماية ضفاف الوديان وإعادة تأهيل المدرجات التي أسيء استعمالها، إضافة إلى إعادة تأهيل وصيانة منشآت الري القائمة. ولدعم التنمية الزراعية على المستوى الإقليمي، تم إنشاء هيئات التنمية الإقليمية الثلاث في المحافظات الشمالية. ورغم إنشاء هيئات مماثلة في المحافظات الجنوبية، إلا أن المنتجات الزراعية في وديان مثل حضرموت وتوبان وبيحان تدعمها وكالات مانحة عن طريق مديرية الزراعة في تلك المحافظات. إضافة إلى الهيئات المذكورة أعلاه، تعمل الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي تحت مظلة الوزارة.
تعترف الحكومة الوضع المائي الحرج في البلاد وتتخذ إجراءات مختلفة للتعامل معه. وقد أعدت عدة استراتيجيات وتشريعات وسياسات لقطاع المياه وبدأت بتنفيذ بعضها منها. صدر قانون المياه في 31 أغسطس 2002، وتم تعديله من قبل البرلمان في ديسمبر 2006. وسيعطي تنفيذ أحكام هذا القانون دفعة رئيسية لقضية الحفاظ على المياه.
إلا أنه ليس هناك حل واضح لمشكلة نقص المياه في اليمن. وتم إدخال تنقية المياه وإعادة استخدام مياه الأمطار والمياه العادمة وكفاءة الري وتقنيات الصيانة في اليمن، وخاصة في القطاع الزراعي. وقد تعالج مثل هذه المنشآت جوانب كثيرة في المناطق المتواجدة فيها، مثل الحد من البطالة والحد من نقص الغذاء وتعزيز السياحة. وينبغي البحث عن حل لأزمة المياه في اليمن في مزيج من المقاربات، وفق طوبوغرافيتها ومصادر المياه المتوفرة والاقتصاد المحلي.
عدم تطبيق القانون
في السنوات الخمسة عشر الماضية، استثمرت المؤسسات اليمنية الكثير من الجهود في وضع ترتيبات مؤسساتية جديدة (قانون جديد للمياه، وإنشاء الهيئة الوطنية للموارد المائية) ودراسات وأنظمة مراقبة. وهناك انجاز هام وهو إبطال مركزية إدارة المياه على المستوى المحلي. وتم إدخال تقنيات زراعية بدل الممارسات الزراعية التقليدية ونظم إدارة المياه. إلا أن الحكومة، بمؤسساتها التي ظهرت حديثاً، فشلت في إيقاف غور مياه الآبار وتنظيم المياه الجوفية.
وزارة الزراعة والري مسؤولة عن صياغة سياسيات المنتجات والمحاصيل الزراعية والمواشي والأحراج وتنسيق الاستثمار والخدمات العامة في القطاع الزراعي. تقع المديرية العامة للري ضمن الوزارة، وتقوم بتنفيذ جميع المهام المتعلقة بالري، خاصة بناء السدود ومنشآت حصاد المياه وجمع مياه الفيضانات. يتم تقديم معظم الخدمات الميدانية للمزارعين عن طريق مكاتب الري والزراعة الإقليمية اللامركزية في مختلف محافظات البلاد. ورغم وجود هذه المؤسسات، إلا أن الحكومة اليمنية فشلت في تطبيق القانون ومنع هدر المياه بشكل كامل. والسبب الرئيسي في هذا الفشل، كما يشير الكثيرون، هو صعوبة وضع المياه على قمة جدول الأعمال في بلد يعاني من الكثير من المشاكل.